في منطقة صناعية مهجورة على الضفة الشرقية لنهر النيل، تقف ثلاثة مبانٍ غير مكتملة محاطة بحقل ألغام، حيث أخفى مقاتلو قوات الدعم السريع السودانية ما وصفته السلطات بمصنع ضخم لإنتاج مخدر الكبتاجون.

بحسب موقع ميدل إيست آي، حذر مقاتلو الدعم السريع السكان من الاقتراب من هذا المجمع المسوّر لأشهر، قبل أن تكتشف القوات المسلحة السودانية في فبراير 2024 داخله معدات ومواد كيميائية يُعتقد أنها كانت تُستخدم لإنتاج نحو 1000 حبة كبتاجون في الساعة. في الوقت الذي شهد تراجعًا في صناعة الكبتاغون بسوريا بعد سقوط حكومة بشار الأسد، يبدو أن النزاع في السودان يفتح الباب أمام مركز جديد لهذا النشاط غير المشروع.

صادر عناصر مكافحة المخدرات خمس آلات، بينها خلاط صناعي وآلة ضغط أقراص تُركت وفيها بقايا مسحوق أبيض وحبوب جاهزة للاستخدام. كما وُجدت آلات أخرى لا تزال داخل صناديقها. حملت إحدى العبوات ملصق شحن من شركة "أماس" للشحن في دبي، دون نتائج عند التحقق من الرقم التسلسلي.

أشار الضابط جلال الدين حمزة من شرطة مكافحة المخدرات إلى أن الحبوب التي وُجدت داخل المصنع تحمل شعار الهلالين، الرمز المعروف للكبتاغون غير القانوني. تعذّر الوصول إلى تعليقات من قوات الدعم السريع أو الشركة الإماراتية المذكورة.

بحسب خبراء، منها كارولين روز من معهد "نيو لاينز"، فإن المعدات والمواد الموجودة بالمصنع تطابق ما تم توثيقه في مختبرات سورية سابقة. أشارت روز إلى أن المعدات مشابهة لتلك التي ضُبطت في سوريا في العام الماضي، ما يدل على أن المعرفة التقنية لإنتاج الكبتاغون نُقلت إلى السودان.

في غرفة مجاورة، وُجدت مئات الأكياس المملوءة بمساحيق بيضاء، تحمل ملصقات تشير إلى مكملات غذائية بيطرية وإلكتروليتات حيوانية مصنّعة في سوريا، رغم أنها غير مسجلة رسميًا ضمن السجلات التجارية السورية. يُشتبه بأن هذه المواد تخفي ما يُعرف بـ"المكونات الأولية" المستخدمة في صناعة الكبتاغون، رغم أن تحليلها لم يكشف عن وجود مكونات نشطة معروفة.

روى مصدر عسكري أن أحد الجنود خلط المسحوق بالماء وشربه، فظل يقظًا لمدة يومين دون نوم، في سلوك لا ينسجم مع استهلاك إلكتروليتات حيوانية.

يرجح مراقبون أن السودان أصبح مركزًا ناشئًا لإنتاج الكبتاجون بعد انهيار شبكة الإنتاج السورية. في السنوات الأخيرة، عُثر على مصانع مماثلة في مناطق مثل جبل أولياء وولاية النيل الأزرق، إلا أن المصنع في الجيلي يُعد الأكبر منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023.

رُصد أيضًا حُفر عميقة داخل المجمع، غير موجودة في صور الأقمار الصناعية السابقة، ما يدفع للاعتقاد بأنها كانت مخصصة لتخزين آلاف الحبوب المعدّة للبيع.

يشير الضابط حمزة إلى أن استهلاك الكبتاجون ارتفع بشكل حاد منذ بدء الحرب، إذ توزعه قوات الدعم السريع على مقاتليها لتعزيز التركيز وقمع الجوع، أو تبيعه للمدنيين للحصول على التمويل. ومع انكشاف مصانع سوريا، يبحث الموزعون عن بدائل قريبة لتلبية الطلب في أسواق الخليج، خاصة أن البحر الأحمر يفصل السودان عن تلك الدول.

أفادت روز أن اكتشاف مصانع الكبتاجون في السودان بات سنويًا منذ عام 2022، ما يشير إلى شبكة أوسع بكثير من مجرد مبادرات فردية، وربما تورط مباشر من شبكات إجرامية مرتبطة بنظام الأسد.

مع غياب الاعتقالات الواسعة في سوريا بعد تفكيك مختبرات الإنتاج هناك، تظل المعرفة متاحة لإعادة تشغيل الصناعة في مناطق النزاع، وسودان ما بعد الحرب يبدو مرشحًا بارزًا لذلك الدور.

https://www.middleeasteye.net/news/inside-drugs-factory-how-captagon-fuelling-war-sudan